فصل: باب الاِسْتِئْذَانِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»



.(باب كراهة التسمية بالأسماء القبيحة وبنافع ونحوه):

3983- قَوْله: «نَهَانَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُسَمِّي رَقِيقنَا بِأَرْبَعَةِ أَسْمَاء: أَفْلَحَ وَرَبَاح وَيَسَار وَنَافِع». وَفِي رِوَايَة: «لَا تُسَمِّيَنَّ غُلَامك يَسَارًا وَلَا رَبَاحًا وَلَا نَجِيحًا وَلَا أَفْلَحَ، فَإِنَّك تَقُول: أَثِمَ هُوَ؟ فَلَا يَكُون، فَيَقُول: لَا، إِنَّمَا هُنَّ أَرْبَع فَلَا تَزِيدُنَّ عَلَيَّ». وَفِي رِوَايَة جَابِر قَالَ: «أَرَادَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْهَى عَنْ أَنْ يُسَمَّى بِيَعْلَى وَبِبَرَكَةَ وَبِأَفْلَح وَبِيَسَارٍ وَبِنَافِعٍ وَنَحْو ذَلِكَ، ثُمَّ رَأَيْته سَكَتَ بَعْدُ عَنْهَا، فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قُبِضَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ أَرَادَ عُمَر أَنْ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ تَرَكَهُ» هَكَذَا وَقَعَ هَذَا اللَّفْظ فِي مُعْظَم نُسَخ صَحِيح مُسْلِم الَّتِي بِبِلَادِنَا: «أَنْ يُسَمَّى بِيَعْلَى» وَفِي بَعْضهَا: «بِمُقْبِلٍ» بَدَل: «يَعْلَى» وَفِي الْجَمْع بَيْن الصَّحِيحَيْنِ لِلْحُمَيْدِيّ: «بِيَعْلَى» وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ فِي أَكْثَر النُّسَخ: «بِمُقْبِلِ» وَفِي بَعْضهَا: «بِيَعْلَى» قَالَ: وَالْأَشْبَه أَنَّهُ تَصْحِيف.
قَالَ: وَالْمَعْرُوف (بِمُقْبِلٍ) وَهَذَا الَّذِي أَنْكَرَهُ الْقَاضِي لَيْسَ بِمُنْكَرِ، بَلْ هُوَ الْمَشْهُور، وَهُوَ صَحِيح فِي الرِّوَايَة وَفِي الْمَعْنَى، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنه هَذَا الْحَدِيث عَنْ أَبِي سُفْيَان عَنْ جَابِر قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ عِشْت إِنْ شَاءَ اللَّه أَنْهَى أُمَّتِي أَنْ يُسَمُّوا نَافِعًا وَأَفْلَحَ وَبَرَكَة» وَاللَّه أَعْلَم.
3984- سبق شرحه بالباب.
3985- وَأَمَّا قَوْله: «فَلَا تَزِيدُنَّ عَلَيَّ» هُوَ بِضَمِّ الدَّال، وَمَعْنَاهُ الَّذِي سَمِعْته أَرْبَع كَلِمَات، وَكَذَا رِوَايَتهنَّ لَكُمْ، فَلَا تَزِيدُوا عَلَيَّ فِي الرِّوَايَة، وَلَا تَنْقُلُوا عَنِّي غَيْر الْأَرْبَع، وَلَيْسَ فيه مَنْع الْقِيَاس عَلَى الْأَرْبَع، وَأَنْ يَلْحَق بِهَا مَا فِي مَعْنَاهَا.
قَالَ أَصْحَابنَا: يُكْرَه التَّسْمِيَة بِهَذِهِ الْأَسْمَاء الْمَذْكُورَة فِي الْحَدِيث وَمَا فِي مَعْنَاهَا، وَلَا تَخْتَصّ الْكَرَاهَة بِهَا وَحْدهَا، وَهِيَ كَرَاهَة تَنْزِيه لَا تَحْرِيم، وَالْعِلَّة فِي الْكَرَاهَة مَا بَيَّنَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله: «فَإِنَّك تَقُول: أَثِمَ هُوَ؟ فَيَقُول: لَا» فَكُرِهَ لِبَشَاعَةِ الْجَوَاب، وَرُبَّمَا أَوْقَع بَعْض النَّاس فِي شَيْء مِنْ الطِّيَرَة.
3986- وَأَمَّا قَوْله: (أَرَادَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْهَى عَنْ هَذِهِ الْأَسْمَاء) فَمَعْنَاهُ أَرَادَ أَنْ يَنْهَى عَنْهَا نَهْي تَحْرِيم فَلَمْ يَنْهَ، وَأَمَّا النَّهْي الَّذِي هُوَ لِكَرَاهَةِ التَّنْزِيه فَقَدْ نَهَى عَنْهُ فِي الْأَحَادِيث الْبَاقِيَة.

.باب اسْتِحْبَابِ تَغْيِيرِ الاِسْمِ الْقَبِيحِ إِلَى حَسَنٍ وَتَغْيِيرِ اسْمِ بَرَّةَ إِلَى زَيْنَبَ وَجُوَيْرِيَةَ وَنَحْوِهِمَا:

3987- سبق شرحه بالباب.
3988- قَوْله: «أَنَّ اِبْنَة لِعُمَر كَانَ يُقَال لَهَا عَاصِيَة، فَسَمَّاهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيلَة» وَفِي الْحَدِيث الْآخَر: «كَانَتْ جُوَيْرِيَةُ اِسْمهَا بَرَّة فَحَوَّلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْمهَا جُوَيْرِيَةَ، وَكَانَ يَكْرَه أَنْ يُقَال: خَرَجَ مِنْ عِنْد بَرَّة» وَذَكَرَ فِي الْحَدِيثَيْنِ الْآخَرَيْنِ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيَّرَ اِسْم بَرَّة بِنْت أَبِي سَلَمَة وَبَرَّة بِنْت جَحْش، فَسَمَّاهُمَا زَيْنَب، وَزَيْنَب، وَقَالَ: «لَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ اللَّهُ أَعْلَم بِأَهْلِ الْبِرّ مِنْكُمْ». مَعْنَى هَذِهِ الْأَحَادِيث تَغْيِير الِاسْم الْقَبِيح أَوْ الْمَكْرُوه إِلَى حَسَن، وَقَدْ ثَبَتَ أَحَادِيث بِتَغْيِيرِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَاء جَمَاعَة كَثِيرِينَ مِنْ الصَّحَابَة، وَقَدْ بَيَّنَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِلَّة فِي النَّوْعَيْنِ، وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا، وَهِيَ التَّزْكِيَة، أَوْ خَوْف التَّطَيُّر.
3989- سبق شرحه بالباب.
3990- سبق شرحه بالباب.
3991- سبق شرحه بالباب.
3992- سبق شرحه بالباب.

.باب تَحْرِيمِ التَّسَمِّي بِمَلِكِ الأَمْلاَكِ وَبِمَلِكِ الْمُلُوكِ:

3993- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَخْنَع اِسْم عِنْد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ رَجُل تَسَمَّى مَلِك الْأَمْلَاك لَا مَالِك إِلَّا اللَّه قَالَ سُفْيَان: مِثْل شَاهَان، شَاه وَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل: سَأَلْت أَبَا عَمْرو عَنْ أَخْنَع فَقَالَ: أَوْضَع» وَفِي رِوَايَة: «أَغْيَظ رَجُل عَلَى اللَّه يَوْم الْقِيَامَة وَأَخْبَثه وَأَغْيَظه عَلَيْهِ رَجُل كَانَ يُسَمَّى مَلِك الْأَمْلَاك» هَكَذَا جَاءَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظ هُنَا: (أَخْنَع) و(أَغْيَظ) و(أَخْبَث) وَهَذَا التَّفْسِير الَّذِي فَسَّرَهُ أَبُو عَمْرو مَشْهُور عَنْهُ وَعَنْ غَيْره قَالُوا: مَعْنَاهُ أَشَدّ ذُلًّا وَصَغَارًا يَوْم الْقِيَامَة. وَالْمُرَاد صَاحِب الِاسْم. وَيَدُلّ عَلَيْهِ الرِّوَايَة الثَّانِيَة (أَغْيَظ رَجُل) قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ يُسْتَدَلّ بِهِ عَلَى أَنَّ الِاسْم هُوَ الْمُسَمَّى، وَفيه الْخِلَاف الْمَشْهُور.
وَقِيلَ: أَخْنَع بِمَعْنَى أَفْجَر، يُقَال: خَنَعَ الرَّجُل إِلَى الْمَرْأَة، وَالْمَرْأَة إِلَيْهِ أَيْ دَعَاهَا إِلَى الْفُجُور، وَهُوَ بِمَعْنَى أَخْبَث أَيْ أَكْذَب الْأَسْمَاء، وَقِيلَ: أَقْبَح. وَفِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ (أَخْنَأ) وَهُوَ بِمَعْنَى مَا سَبَقَ أَيْ أَفْحَش وَأَفْجَر، وَالْخَنَى الْفُحْش، وَقَدْ يَكُون بِمَعْنَى أَهْلَكَ لِصَاحِبِهِ الْمُسَمَّى. الْخَنَى الْهَلَاك، يُقَال: أَخْنَى عَلَيْهِ الدَّهْر أَيْ أَهْلَكَهُ.
قَالَ أَبُو عُبَيْد: وَرُوِيَ: «أَنْخَع» أَيْ أَقْتَل، وَالنَّخَع الْقَتْل الشَّدِيد.
وَأَمَّا قَوْله: (قَالَ سُفْيَان: مِثْل شَاهَان شَاه) فَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ قَالَ الْقَاضِي: وَقَعَ فِي رِوَايَة (شَاه شَاه) قَالَ: وَزَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ الْأَصْوَب شَاه شَاهَان، وَكَذَا جَاءَ فِي بَعْض الْأَخْبَار فِي كِسْرَى قَالُوا: وَشَاه الْمَلِك، وَشَاهَان الْمُلُوك، وَكَذَا يَقُولُونَ لِقَاضِي الْقُضَاة: (موبذ موبذان) قَالَ الْقَاضِي: وَلَا يُنْكِر صِحَّة مَا جَاءَتْ بِهِ الرِّجَال؛ لِأَنَّ كَلَام الْعَجَم مَبْنِيّ عَلَى التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير فِي الْمُضَاف وَالْمُضَاف إِلَيْهِ، فَيَقُولُونَ فِي غُلَام زَيْد: زَيْد غُلَام، فَهَكَذَا أَكْثَر كَلَامهمْ. فَرِوَايَة مُسْلِم صَحِيحَة، وَأَعْلَم أَنَّ التَّسَمِّي بِهَذَا الِاسْم حَرَام، وَكَذَلِكَ التَّسَمِّي بِأَسْمَاءِ اللَّه تَعَالَى الْمُخْتَصَّة بِهِ كَالرَّحْمَنِ، وَالْقُدُّوس، وَالْمُهَيْمِن، وَخَالِق الْخَلْق، وَنَحْوهَا.
وَأَمَّا قَوْله: (قَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل سَأَلْت أَبَا عَمْرو)، فَأَبُو عَمْرو هَذَا هُوَ إِسْحَاق بْن مِرَار بِكَسْرِ الْمِيم عَلَى وَزْن قِتَال، وَقِيلَ: مَرَّار بِفَتْحِهَا وَتَشْدِيد الرَّاء كَعَمَّارِ، وَقِيلَ: بِفَتْحِهَا وَتَخْفِيف الرَّاء كَغَزَالِ، وَهُوَ أَبُو عَمْرو اللُّغَوِيّ النَّحْوِيّ الْمَشْهُور، وَلَيْسَ بِأَبِي عَمْرو الشَّيْبَانِيِّ، ذَاكَ تَابِعِيّ تُوُفِّيَ قَبْل وِلَادَة أَحْمَد بْن حَنْبَل، وَاللَّه أَعْلَم.
3994- وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَغْيَظ رَجُل عَلَى اللَّه وَأَغْيَظه عَلَيْهِ» فَهَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيع النُّسَخ بِتَكْرِيرِ (أَغْيَظ).
قَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ تَكْرِيره وَجْه الْكَلَام.
قَالَ: وَفيه وَهْم مِنْ بَعْض الرُّوَاة بِتَكْرِيرِهِ أَوْ تَغْيِيره.
قَالَ: وَقَالَ بَعْض الشُّيُوخ: لَعَلَّ أَحَدهمَا أَغْنَط بِالنُّونِ وَالطَّاء الْمُهْمَلَة أَيْ أَشَدّه عَلَيْهِ، وَالْغَنَط شِدَّة الْكَرْب.
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ: أَغْيَظ هُنَا مَصْرُوف عَنْ ظَاهِره، وَاللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى لَا يُوصَف بِالْغَيْظِ، فَيُتَأَوَّل هُنَا الْغَيْظ عَلَى الْغَضَب، وَسَبَقَ شَرْح مَعْنَى الْغَضَب وَالرَّحْمَة فِي حَقّ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى، وَاللَّهُ أَعْلَم.

.باب اسْتِحْبَابِ تَحْنِيكِ الْمَوْلُودِ عِنْدَ وِلاَدَتِهِ وَحَمْلِهِ إِلَى صَالِحٍ يُحَنِّكُهُ وَجَوَازِ تَسْمِيَتِهِ يَوْمَ وِلاَدَتِهِ وَاسْتِحْبَابِ التَّسْمِيَةِ بِعَبْدِ اللَّهِ وَإِبْرَاهِيمَ وَسَائِرِ أَسْمَاءِ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ:

اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى اِسْتِحْبَاب تَحْنِيك الْمَوْلُود عِنْد وِلَادَته بِتَمْرٍ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَمَا فِي مَعْنَاهُ وَقَرِيب مِنْهُ مِنْ الْحُلْو، فَيَمْضُغ الْمُحَنِّك التَّمْر حَتَّى تَصِير مَائِعَة بِحَيْثُ تُبْتَلَع، ثُمَّ يَفْتَح فَم الْمَوْلُود، وَيَضَعهَا فيه لِيَدْخُل شَيْء مِنْهَا جَوْفه، وَيُسْتَحَبّ أَنْ يَكُون الْمُحَنِّك مِنْ الصَّالِحِينَ وَمِمَّنْ يُتَبَرَّك بِهِ رَجُلًا كَانَ أَوْ اِمْرَأَة، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا عِنْد الْمَوْلُود حُمِلَ إِلَيْهِ.
3995- قَوْله: «ذَهَبْت بِعَبْدِ اللَّه بْن أَبِي طَلْحَة حِين وَلَد وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَبَاءَة يَهْنَأ بَعِيرًا لَهُ فَقَالَ: هَلْ مَعَك تَمْر؟ فَقُلْت: نَعَمْ، فَنَاوَلْته تَمَرَات، فَأَلْقَاهُنَّ فِي فيه فَلَاكَهُنَّ، ثُمَّ فَغَرَ فَاهُ الصَّبِيّ فَمَجَّهُ فيه، فَجَعَلَ الصَّبِيّ يَتَلَمَّظهُ. قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُبّ الْأَنْصَار التَّمْر وَسَمَّاهُ عَبْد اللَّه».
أَمَّا الْعَبَاءَة فَمَعْرُوفَة، وَهِيَ مَمْدُودَة، يُقَال فيها (عَبَايَة) بِالْيَاءِ، وَجَمْع الْعَبَاءَة الْعَبَاء.
وَأَمَّا قَوْله: (يَهْنَأ) فَبِهَمْزِ آخِره أَيْ يَطْلِيه بِالْقَطَرَانِ، وَهُوَ الْهِنَاء بِكَسْرِ الْهَاء وَالْمَدّ، يُقَال: هَنَّأْت الْبَعِير أَهْنَؤُهُ.
وَمَعْنَى: «لَاكَهُنَّ» أَيْ مَضَغَهُنَّ.
قَالَ أَهْل اللُّغَة: اللَّوْك مُخْتَصّ بِمَضْغِ الشَّيْء الصُّلْب.
«وَفَغَرَ فَاهُ» بِفَتْحِ الْفَاء وَالْغَيْن الْمُعْجَمَة أَيْ فَتْحه.
«وَمَجَّهُ فيه» أَيْ طَرَحَهُ فيه.
«وَيَتَلَمَّظ» أَيْ يُحَرِّك لِسَانه لِيَتَتَبَّع مَا فِي فيه مِنْ آثَار التَّمْر، وَالتَّلَمُّظ وَاللَّمْظ فِعْل ذَلِكَ بِاللِّسَانِ يَقْصِد بِهِ فَاعِله تَنْقِيَة الْفَم مِنْ بَقَايَا الطَّعَام، وَكَذَلِكَ مَا عَلَى الشَّفَتَيْنِ، وَأَكْثَر مَا يُفْعَل ذَلِكَ فِي شَيْء يَسْتَطِيبهُ، وَيُقَال: تَلَمَّظَ يَتَلَمَّظ تَلَمُّظًا، وَلَمَظَ يَلْمُظ بِضَمِّ الْمِيم لَمْظًا بِإِسْكَانِهَا، وَيُقَال لِذَلِكَ الشَّيْء الْبَاقِي فِي الْفَم لُمَاظَة بِضَمِّ اللَّام.
وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حُبّ الْأَنْصَار التَّمْر» رُوِيَ بِضَمِّ الْحَاء وَكَسْرهَا، فَالْكَسْر بِمَعْنَى الْمَحْبُوب كَالذِّبْحِ بِمَعْنَى الْمَذْبُوح، وَعَلَى هَذَا فَالْبَاء مَرْفُوعَة أَيْ مَحْبُوب الْأَنْصَار التَّمْر، وَأَمَّا مَنْ ضَمّ الْحَاء فَهُوَ مَصْدَر، وَفِي الْبَاء عَلَى هَذَا وَجْهَانِ النَّصْب وَهُوَ الْأَشْهَر، وَالرَّفْع، فَمَنْ نَصَبَ فَتَقْدِيره اُنْظُرُوا حُبّ الْأَنْصَار التَّمْر، فَيُنْصَب التَّمْر أَيْضًا، وَمَنْ رَفَعَ قَالَ: هُوَ مُبْتَدَأ حُذِفَ خَبَره أَيْ حُبّ الْأَنْصَار التَّمْر لَازِم، أَوْ هَكَذَا، أَوْ عَادَة مِنْ صِغَرهمْ. وَاللَّه أَعْلَم.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث فَوَائِد مِنْهَا تَحْنِيك الْمَوْلُود عِنْد وِلَادَته، وَهُوَ سُنَّة بِالْإِجْمَاعِ كَمَا سَبَقَ. وَمِنْهَا أَنْ يُحَنِّكهُ صَالِح مِنْ رَجُل أَوْ اِمْرَأَة. وَمِنْهَا التَّبَرُّك بِآثَارِ الصَّالِحِينَ، وَرِيقهمْ، وَكُلّ شَيْء مِنْهُمْ. وَمِنْهَا كَوْن التَّحْنِيك بِتَمْرٍ، وَهُوَ مُسْتَحَبّ، وَلَوْ حَنَّك بِغَيْرِهِ حَصَلَ التَّحْنِيك، وَلَكِنَّ التَّمْر أَفْضَل. وَمِنْهَا جَوَاز لُبْس الْعَبَاءَة. وَمِنْهَا التَّوَاضُع، وَتَعَاطِي الْكَبِير أَشْغَاله، وَأَنَّهُ لَا يُنْقِص ذَلِكَ مُرُوءَته وَمِنْهَا اِسْتِحْبَاب التَّسْمِيَة بِعَبْدِ اللَّه. وَمِنْهَا اِسْتِحْبَاب تَفْوِيض تَسْمِيَته إِلَى صَالِح فَيَخْتَار لَهُ اِسْمًا يَرْتَضِيه وَمِنْهَا جَوَاز تَسْمِيَته يَوْم وِلَادَته. وَاللَّه أَعْلَم.
3996- قَوْله: «إِنَّ الصَّبِيّ لَمَّا مَاتَ فَجَاءَ أَبُوهُ أَبُو طَلْحَة سَأَلَ أَمْ سُلَيْمٍ، وَهِيَ أُمّ الصَّبِيّ، مَا فَعَلَ الصَّبِيّ؟ قَالَتْ: هُوَ أَسْكَن مِمَّا كَانَ، فَقَرَّبْت إِلَيْهِ الْعِشَاء فَتَعَشَّى، ثُمَّ أَصَابَ مِنْهَا، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَتْ: وَارَوْا الصَّبِيّ» أَيْ اِدْفِنُوهُ فَقَدْ مَاتَ. وَفِي هَذَا الْحَدِيث مَنَاقِب لِأُمِّ سُلَيْمٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا مِنْ عَظِيم صَبْرهَا، وَحُسْن رِضَاهَا بِقَضَاءِ اللَّه تَعَالَى، وَجَزَالَة عَقْلهَا فِي إِخْفَائِهَا مَوْته عَلَى أَبِيهِ فِي أَوَّل اللَّيْل لِيَبِيتَ مُسْتَرِيحًا بِلَا حُزْن، ثُمَّ عَشَّتْهُ وَتَعَشَّتْ، ثُمَّ تَصَنَّعَتْ لَهُ، وَعَرَّضَتْ لَهُ بِإِصَابَتِهِ فَأَصَابَهَا. وَفيه اِسْتِعْمَال الْمَعَارِيض عِنْد الْحَاجَة لِقَوْلِهَا: «هُوَ أَسْكَنُ مِمَّا كَانَ» فَإِنَّهُ كَلَام صَحِيح، مَعَ أَنَّ الْمَفْهُوم مِنْهُ أَنَّهُ قَدْ هَانَ مَرَضه وَسَهُلَ، وَهُوَ فِي الْحَيَاة. وَشَرْط الْمَعَارِيض الْمُبَاحَة أَلَّا يَضِيع بِهَا حَقّ أَحَد وَاللَّه أَعْلَم.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْرَسْتُمْ اللَّيْلَة» هُوَ بِإِسْكَانِ الْعَيْن، وَهُوَ كِنَايَة عَنْ الْجِمَاع.
قَالَ الْأَصْمَعِيّ وَالْجُمْهُور: يُقَال أَعْرَسَ الرَّجُل إِذَا دَخَلَ بِامْرَأَتِهِ. قَالُوا: وَلَا يُقَال فيه عَرَّسَ بِالتَّشْدِيدِ، وَأَرَادَ هُنَا الْوَطْء، وَسَمَّاهُ إِعْرَاسًا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ فِي الْمَقْصُود.
قَالَ صَاحِب التَّحْرِير: رُوِيَ أَيْضًا: «أَعَرَّسْتُمْ» بِفَتْحِ الْعَيْن وَتَشْدِيد الرَّاء قَالَ: وَهِيَ لُغَة، يُقَال: عَرَّسَ بِمَعْنَى أَعْرَسَ.
قَالَ: لَكِنْ قَالَ أَهْل اللُّغَة: أَعْرَسَ أَفْصَح مِنْ عَرَّسَ فِي هَذَا. وَهَذَا السُّؤَال لِلتَّعَجُّبِ مِنْ صَنِيعهَا وَصَبْرهَا، وَسُرُورًا بِحُسْنِ رِضَاهَا بِقَضَاءِ اللَّه تَعَالَى، ثُمَّ دَعَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمَا بِالْبَرَكَةِ فِي لَيْلَتهمَا، فَاسْتَجَابَ اللَّه تَعَالَى ذَلِكَ الدُّعَاء، وَحَمَلَتْ بِعَبْدِ اللَّه بْن أَبِي طَلْحَة، وَجَاءَ مِنْ أَوْلَاد عَبْد اللَّه إِسْحَاق وَإِخْوَته التِّسْعَة صَالِحِينَ عُلَمَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ.
قَوْله: (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة حَدَّثَنَا يَزِيد بْن هَارُون أَخْبَرَنَا اِبْن عَوْن عَنْ اِبْن سِيرِينَ عَنْ أَنَس) هَكَذَا وَقَعَ فِي مُسْلِم (اِبْن سِيرِينَ) مُهْمَلًا، وَفِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ هَذَا الْحَدِيث عَنْ أَنَس بْن سِيرِينَ.
3997- قَوْله: «عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: وُلِدَ لِي غُلَام، فَأَتَيْت بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمَّاهُ بِإِبْرَاهِيم، وَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةِ» فيه التَّحْنِيك وَغَيْره مِمَّا سَبَقَ فِي حَدِيث أَنَس. وَفيه جَوَاز التَّسْمِيَة بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ السَّلَام، وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَة، وَذَكَرْنَا أَنَّ الْجَمَاهِير عَلَى ذَلِكَ. وَفيه جَوَاز التَّسْمِيَة يَوْم الْوِلَادَة وَفيه أَنَّ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحَبّ الْأَسْمَاء إِلَى اللَّه تَعَالَى عَبْد اللَّه وَعَبْد الرَّحْمَن» لَيْسَ بِمَانِعٍ مِنْ التَّسْمِيَة بِغَيْرِهِمَا، وَلِذَا سَمَّى اِبْن أَبِي أَسِيدٍ الْمَذْكُور بَعْد هَذَا الْمُنْذِر.
3998- قَوْلهَا: «مَسَحَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَسَمَّاهُ عَبْد اللَّه» مَعْنَى: «صَلَّى عَلَيْهِ» أَيْ دَعَا لَهُ وَمَسَحَهُ تَبَرُّكًا. فَفيه اِسْتِحْبَاب الدُّعَاء لِلْمَوْلُودِ عِنْد تَحْنِيكه، وَمَسَحَهُ لِلتَّبْرِيكِ.
قَوْله: «إِنَّ اِبْن الزُّبَيْر جَاءَ، وَهُوَ اِبْن سَبْع سِنِينَ أَوْ ثَمَان، لِيُبَايِع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَهُ بِذَلِكَ الزُّبَيْر فَتَبَسَّمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين رَآهُ مُقْبِلًا إِلَيْهِ ثُمَّ بَايَعَهُ» هَذِهِ بَيْعَة تَبْرِيك وَتَشْرِيف لَا بَيْعَة تَكْلِيف.
3999- قَوْلهَا: «فَخَرَجْت، وَأَنَا مُتِمّ» أَيْ مُقَارِبَة لِلْوِلَادَةِ.
قَوْلهَا: «ثُمَّ تَفَلَ فِي فيه» هُوَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة فَوْق أَيْ بَصَقَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى.
قَوْله: «وَكَانَ أَوَّل مَوْلُود وُلِدَ فِي الْإِسْلَام» يَعْنِي أَوَّل مَنْ وُلِدَ فِي الْإِسْلَام بِالْمَدِينَةِ بَعْد الْهِجْرَة مِنْ أَوْلَاد الْمُهَاجِرِينَ، وَإِلَّا فَالنُّعْمَان بْن بَشِير الْأَنْصَارِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وُلِدَ قَبْله بَعْد الْهِجْرَة وَفِي هَذَا الْحَدِيث مَعَ مَا سَبَقَ شَرْحه مَنَاقِب كَثِيرَة لِعَبْدِ اللَّه بْن الزُّبَيْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، مِنْهَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَيْهِ، وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَدَعَا لَهُ، وَأَوَّل شَيْء دَخَلَ جَوْفه رِيقُهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ أَوَّل مَنْ وُلِدَ فِي الْإِسْلَام بِالْمَدِينَةِ. وَاللَّه أَعْلَم.
4002- قَوْله: «فَلَهِيَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ بَيْن يَدَيْهِ» هَذِهِ اللَّفْظَة رُوِيَتْ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدهَا (فَلَهَا) بِفَتْحِ الْهَاء، وَالثَّانِيَة (فَلَهِيَ) بِكَسْرِهَا، وَبِالْيَاءِ، وَالْأُولَى لُغَة طَيّ، وَالثَّانِيَة لُغَة الْأَكْثَرِينَ، وَمَعْنَاهُ اِشْتَغَلَ بِشَيْءٍ بَيْن يَدَيْهِ.
وَأَمَّا مِنْ اللَّهْو: (فَلَهَا) بِالْفَتْحِ لَا غَيْر يَلْهُو، وَالْأَشْهَر فِي الرِّوَايَة هُنَا كَسْر الْهَاء، وَهِيَ لُغَة أَكْثَر الْعَرَب كَمَا ذَكَرْنَا، وَاتَّفَقَ أَهْل الْغَرِيب وَالشُّرَّاح عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ اِشْتَغَلَ.
قَوْله: (الْمُنْذِر بْن أَبِي أُسَيْدٍ) الْمَشْهُور فِي (أَبِي أُسَيْدٍ) ضَمّ الْهَمْزَة وَفَتْح السِّين، وَلَمْ يَذْكُر الْجَمَاهِير غَيْره.
قَالَ الْقَاضِي: وَحَكَى عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ عَنْ سُفْيَان أَنَّهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَة.
قَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل: وَبِالضَّمِّ قَالَ عَبْد الرَّزَّاق وَوَكِيع، وَهُوَ الصَّوَاب، وَاسْمه مَالِك بْن أَبِي رَبِيعَة. قَالُوا: وَسَبَب تَسْمِيَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْمَوْلُود (الْمُنْذِر) لِأَنَّ اِبْن عَمّ أَبِيهِ الْمُنْذِر بْن عَمْرو كَانَ قَدْ اِسْتَشْهَدَ بِبِئْرِ مَعُونَة، وَكَانَ أَمِيرهمْ، فَيُقَال بِكَوْنِهِ خَلْفًا مِنْهُ.
قَوْله: «فَأَقْلَبُوهُ» أَيْ رَدُّوهُ وَصَرَفُوهُ. فِي جَمِيع نُسَخ صَحِيح مُسْلِم: «فَأَقْلَبُوهُ» بِالْأَلِفِ، وَأَنْكَرَهُ جُمْهُور أَهْل اللُّغَة وَالْغَرِيب وَشُرَّاح الْحَدِيث، وَقَالُوا: صَوَابه (قَلَبُوهُ) بِحَذْفِ الْأَلِف. قَالُوا: يُقَال قَلَبْت الصَّبِيّ وَالشَّيْء صَرَفْته وَرَدَدْته، وَلَا يُقَال أَقَلَبَته، وَذَكَرَ صَاحِب التَّحْرِير أَنَّ (أَقْلَبُوهُ) بِالْأَلِفِ لُغَة قَلِيلَة، فَأَثْبَتهَا لُغَة. وَاللَّه أَعْلَم.
قَوْله: «فَاسْتَفَاقَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» أَيْ اِنْتَبَهَ مِنْ شُغْله وَفَكَّرَهُ الَّذِي كَانَ فيه. وَاللَّه أَعْلَم.
4003- قَوْله: «كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَن النَّاس خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخ يُقَال لَهُ أَبُو عُمَيْر أَحْسَبهُ قَالَ: كَانَ فَطِيمًا قَالَ: فَكَانَ إِذَا جَاءَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَآهُ قَالَ: أَبَا عُمَيْر مَا فَعَلَ النُّغَيْر؟ وَكَانَ يَلْعَب بِهِ». أَمَّا النُّغَيْر فَبِضَمِّ النُّون تَصْغِير النُّغَر، بِضَمِّهَا وَفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة، وَهُوَ طَائِر صَغِير، جَمْعه نِغْرَان. وَالْفَطِيم بِمَعْنَى الْمَفْطُوم. وَفِي هَذَا الْحَدِيث فَوَائِد كَثِيرَة جَدًّا مِنْهَا جَوَاز تَكْنِيَة مَنْ لَمْ يُولَد لَهُ، وَتَكْنِيَة الطِّفْل، وَأَنَّهُ لَيْسَ كَذِبًا، وَجَوَاز الْمِزَاج فِيمَا لَيْسَ إِثْمًا، وَجَوَاز تَصْغِير بَعْض الْمُسَمَّيَات، وَجَوَاز لَعِب الصَّبِيّ بِالْعُصْفُورِ، وَتَمْكِين الْوَلِيّ إِيَّاهُ مِنْ ذَلِكَ، وَجَوَاز السَّجْع بِالْكَلَامِ الْحَسَن بِلَا كُلْفَة، وَمُلَاطَفَة الصِّبْيَان وَتَأْنِيسهمْ، وَبَيَان مَا كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ مِنْ حُسْن الْخُلُق وَكَرَم الشَّمَائِل وَالتَّوَاضُع، وَزِيَارَة الْأَهْل لِأَنَّ أُمّ سُلَيْمٍ وَالِدَة أَبِي عُمَيْر هِيَ مِنْ مَحَارِمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَبَقَ بَيَانه. وَاسْتَدَلَّ بَعْض الْمَالِكِيَّة عَلَى جَوَاز الصَّيْد مِنْ حَرَم الْمَدِينَة، وَلَا دَلَالَة فيه لِذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيث صَرَاحَة وَلَا كِنَايَة أَنَّهُ مِنْ حَرَم الْمَدِينَة، وَقَدْ سَبَقَتْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الْكَثِيرَة فِي كِتَاب الْحَجّ الْمُصَرِّحَة بِتَحْرِيمِ صَيْد حَرَم الْمَدِينَة، فَلَا يَجُوز تَرْكهَا بِمِثْلِ هَذَا، وَلَا مُعَارَضَتهَا بِهِ. وَاللَّه أَعْلَم.

.باب جَوَازِ قَوْلِهِ لِغَيْرِ ابْنِهِ يَا بُنَيَّ وَاسْتِحْبَابِهِ لِلْمُلاَطَفَةِ:

4004- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَسٍ: (يَا بُنَيّ) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاء الْمُشَدَّدَة وَكَسْرهَا، وَقُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْع، الْأَكْثَرُونَ بِالْكَسْرِ، وَبَعْضهمْ بِإِسْكَانِهَا. وَفيه جَوَاز قَوْل الْإِنْسَان لِغَيْرِ اِبْنه مِمَّنْ هُوَ أَصْغَر سِنًّا مِنْهُ يَابْنِي، وَيَا بُنَيّ مُصَغَّرًا، وَيَا وَلَدِي، وَمَعْنَاهُ تَلَطَّفْ، وَإِنَّك عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ وَلَدِي فِي الشَّفَقَة، وَكَذَا يُقَال لَهُ وَلِمَنْ هُوَ فِي مِثْل سِنّ الْمُتَكَلِّم: يَا أَخِي لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَإِذَا قَصَدَ التَّلَطُّف كَانَ مُسْتَحَبًّا كَمَا فَعَلَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
4005- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُغِيرَةِ (أَيْ بُنَيّ) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاء الْمُشَدَّدَة وَكَسْرهَا، وَقُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْع، الْأَكْثَرُونَ بِالْكَسْرِ، وَبَعْضهمْ بِإِسْكَانِهَا. وَفيه جَوَاز قَوْل الْإِنْسَان لِغَيْرِ اِبْنه مِمَّنْ هُوَ أَصْغَر سِنًّا مِنْهُ يَا ابْنِي، وَيَا بُنَيّ مُصَغَّرًا، وَيَا وَلَدِي، وَمَعْنَاهُ تَلَطَّفْ، وَإِنَّك عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ وَلَدِي فِي الشَّفَقَة، وَكَذَا يُقَال لَهُ وَلِمَنْ هُوَ فِي مِثْل سِنّ الْمُتَكَلِّم: يَا أَخِي لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَإِذَا قَصَدَ التَّلَطُّف كَانَ مُسْتَحَبًّا كَمَا فَعَلَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدَّجَّال: «وَمَا يُنْصِبُك مِنْهُ» هُوَ مِنْ النَّصَب، وَهُوَ التَّعَب وَالْمَشَقَّة، أَيْ مَا يَشُقّ عَلَيْك وَيُتْعِبك مِنْهُ؟
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَنْ يَضُرّك» هُوَ مِنْ مُعْجِزَات النُّبُوَّة، وَسَيَأْتِي شَرْح أَحَادِيث الدَّجَّال مُسْتَوْعَبًا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهَا مُسْلِم فِي أَوَاخِر الْكِتَاب. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق.

.باب الاِسْتِئْذَانِ:

4006- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا اِسْتَأْذَنَ أَحَدكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَن لَهُ فَلْيَرْجِعْ» أَجْمَع الْعُلَمَاء أَنَّ الِاسْتِئْذَان مَشْرُوع، وَتَظَاهَرَتْ بِهِ دَلَائِل الْقُرْآن وَالسُّنَّة وَإِجْمَاع الْأُمَّة. وَالسُّنَّة أَنْ يُسَلِّم، وَيَسْتَأْذِن ثَلَاثًا، فَيَجْمَع بَيْن السَّلَام وَالِاسْتِئْذَان كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْقُرْآن. وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يُسْتَحَبّ تَقْدِيم السَّلَام ثُمَّ الِاسْتِئْذَان، أَوْ تَقْدِيم الِاسْتِئْذَان ثُمَّ السَّلَام؟ الصَّحِيح الَّذِي جَاءَتْ بِهِ السُّنَّة، وَقَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ، أَنَّهُ يُقَدِّم السَّلَام، فَيَقُول: السَّلَام عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ وَالثَّانِي يُقَدَّم الِاسْتِئْذَان. وَالثَّالِث وَهُوَ اِخْتِيَار الْمَاوَرْدِيّ مِنْ أَصْحَابنَا إِنْ وَقَعَتْ عَيْن الْمُسْتَأْذِن عَلَى صَاحِب الْمَنْزِل قَبْل دُخُوله قُدِّمَ السَّلَام، وَإِلَّا قُدِّمَ الِاسْتِئْذَان. وَصَحَّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَانِ فِي تَقْدِيم السَّلَام. أَمَّا إِذَا اِسْتَأْذَنَ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَن لَهُ، وَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعهُ، فَفيه ثَلَاثَة مَذَاهِب: أَشْهَرهَا أَنَّهُ يَنْصَرِف، وَلَا يُعِيد الِاسْتِئْذَان. وَالثَّانِي يَزِيد فيه. وَالثَّالِث إِنْ كَانَ بِلَفْظِ الِاسْتِئْذَان الْمُتَقَدِّم لَمْ يُعِدْهُ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ أَعَادَهُ. فَمَنْ قَالَ بِالْأَظْهَرِ فَحُجَّته قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيث: «فَلَمْ يُؤْذَن لَهُ فَلْيَرْجِعْ». وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي حَمَلَ الْحَدِيث عَلَى مَنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ سَمِعَهُ فَلَمْ يَأْذَن. وَاللَّه أَعْلَم.
قَوْله: «قَالَ عُمَر: أَقِمْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَة، وَإِلَّا أَوْجَعْتُك، فَقَالَ اِبْن أَبِي كَعْب: لَا يَقُوم مَعَهُ إِلَّا أَصْغَر الْقَوْم قَالَ أَبُو سَعِيد: قُلْت: أَنَا أَصْغَر الْقَوْم فَأَذْهَب بِهِ» مَعْنَى كَلَام أَبِي بْن كَعْب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ الْإِنْكَار عَلَى عُمَر فِي إِنْكَاره الْحَدِيث.
وَأَمَّا قَوْله: «لَا يَقُوم مَعَهُ إِلَّا أَصْغَر الْقَوْم» فَمَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا حَدِيث مَشْهُور بَيْننَا، مَعْرُوف لِكِبَارِنَا وَصِغَارنَا، حَتَّى إِنَّ أَصْغَرنَا يَحْفَظهُ، وَسَمِعَهُ مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهَذَا الْحَدِيث مَنْ يَقُول: لَا يُحْتَجّ بِخَبَرِ الْوَاحِد، وَزَعَمَ أَنَّ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ رَدّ حَدِيث أَبِي مُوسَى هَذَا لِكَوْنِهِ خَبَر وَاحِد، وَهَذَا مَذْهَب بَاطِل، وَقَدْ أَجْمَع مَنْ يَعْتَدّ بِهِ عَلَى الِاحْتِجَاج بِخَبَرِ الْوَاحِد وَوُجُوب الْعَمَل بِهِ، وَدَلَائِله مِنْ فِعْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاء الرَّاشِدِينَ وَسَائِر الصَّحَابَة وَمَنْ بَعْدهمْ أَكْثَر مِنْ أَنْ يُحْصَر.
وَأَمَّا قَوْل عُمَر لِأَبِي مُوسَى: «أَقِمْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَة» فَلَيْسَ مَعْنَاهُ رَدّ خَبَر الْوَاحِد مِنْ حَيْثُ هُوَ خَبَر وَاحِد، وَلَكِنْ خَافَ عُمَر مُسَارَعَة النَّاس إِلَى الْقَوْل عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَتَقَوَّل عَلَيْهِ بَعْض الْمُبْتَدِعِينَ أَوْ الْكَاذِبِينَ أَوْ الْمُنَافِقِينَ وَنَحْوهمْ مَا لَمْ يَقُلْ، وَأَنَّ كُلّ مَنْ وَقَعَتْ لَهُ قَضِيَّة وُضِعَ فيها حَدِيثًا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرَادَ سَدّ الْبَاب خَوْفًا مِنْ غَيْر أَبِي مُوسَى لَا شَكًّا فِي رِوَايَة أَبِي مُوسَى، فَإِنَّهُ عِنْد عُمَر أَجَل مِنْ أَنْ يُظَنّ بِهِ أَنْ يُحَدِّث عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ، بَلْ أَرَادَ زَجْر غَيْره بِطَرِيقِهِ، فَإِنَّ مَنْ دُون أَبِي مُوسَى إِذَا رَأَى هَذِهِ الْقَضِيَّة أَوْ بَلَغَتْهُ، وَكَانَ فِي قَلْبه مَرَض، أَوْ أَرَادَ وَضْع حَدِيث خَافَ مِنْ مِثْل قَضِيَّة أَبِي مُوسَى، فَامْتَنَعَ مِنْ وَضْع الْحَدِيث وَالْمُسَارَعَة إِلَى الرِّوَايَة بِغَيْرِ يَقِين. وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى أَنَّ عُمَر لَمْ يَرُدّ خَبَر أَبِي مُوسَى لِكَوْنِهِ خَبَر وَاحِد أَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ إِخْبَار رَجُل آخَر حَتَّى يَعْمَل بِالْحَدِيثِ، وَمَعْلُوم أَنَّ خَبَر الِاثْنَيْنِ خَبَر وَاحِد، وَكَذَا مَا زَادَ حَتَّى يَبْلُغ التَّوَاتُر، فَمَا لَمْ يَبْلُغ التَّوَاتُر فَهُوَ خَبَر وَاحِد. وَمِمَّا يُؤَيِّدهُ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ مُسْلِم فِي الرِّوَايَة الْأَخِيرَة مِنْ قَضِيَّة أَبِي مُوسَى هَذِهِ أَنَّ أُبَيًّا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا اِبْن الْخَطَّاب فَلَا تَكُونَنَّ عَذَابًا عَلَى أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: سُبْحَان اللَّه إِنَّمَا سَمِعْت شَيْئًا فَأَحْبَبْت أَنْ أَتَثَبَّت». وَاللَّه أَعْلَم.
قَوْله: «أَقِمْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَة وَإِلَّا أَوْجَعْتُك» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «وَاللَّه لَأَوْجِعَنَّ ظَهْرك وَبَطْنك أَوْ لَتَأْتِيَنَّ بِمَنْ يَشْهَد» وَفِي رِوَايَة: «لَأَجْعَلَنَّكَ نَكَالًا» هَذَا كُلّه مَحْمُول عَلَى أَنَّ تَقْدِيره لَأَفْعَلَنَّ بِك هَذَا الْوَعِيد إِنْ بَانَ أَنَّك تَعَمَّدْت كَذِبًا. وَاللَّه أَعْلَم.
4007- قَوْله: «فَلَوْ مَا اِسْتَأْذَنْت» أَيْ هَلَّا اِسْتَأْذَنْت، وَمَعْنَاهَا التَّحْضِيض عَلَى الِاسْتِئْذَان.
4008- قَوْله: «فَهَا وَإِلَّا فَلَأَجْعَلَنَّك عِظَة». أَيْ فَهَاتِ الْبَيِّنَة.
قَوْله: «يَضْحَكُونَ» سَبَب ضَحِكهمْ التَّعَجُّب مِنْ فَزِعَ أَبِي مُوسَى وَذُعْره وَخَوْفه مِنْ الْعُقُوبَة، مَعَ أَنَّهُمْ قَدْ أَمِنُوا أَنْ يَنَالهُ عُقُوبَة أَوْ غَيْرهَا لِقُوَّةِ حُجَّته، وَسَمَاعهمْ مَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
4009- قَوْله: «أَلْهَانِي عَنْهُ الصَّفْق بِالْأَسْوَاقِ» أَيْ التِّجَارَة وَالْمُعَامَلَة فِي الْأَسْوَاق.
4010- سبق شرحه بالباب.

.باب كَرَاهَةِ قَوْلِ الْمُسْتَأْذِنِ أَنَا. إِذَا قِيلَ مَنْ هَذَا:

4011- سبق شرحه بالباب.
4012- قَوْله: «اِسْتَأْذَنْت عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْت: أَنَا فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا أَنَا» زَادَ فِي رِوَايَة: كَأَنَّهُ كَرِهَهَا.
قَالَ الْعُلَمَاء: إِذَا اِسْتَأْذَنَ فَقِيلَ لَهُ مَنْ أَنْتَ؟ أَوْ مَنْ هَذَا؟ كَرِهَ أَنْ يَقُول: أَنَا لِهَذَا الْحَدِيث، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُل بِقَوْلِهِ: (أَنَا) فَائِدَة، وَلَا زِيَادَة، بَلْ الْإِبْهَام بَاقٍ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَقُول: فُلَان، بِاسْمِهِ، إِنْ قَالَ: (أَنَا فُلَان) فَلَا بَأْس كَمَا قَالَتْ أُمّ هَانِئ حِين اِسْتَأْذَنْت فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ هَذِهِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا أُمّ هَانِئ». وَلَا بَأْس بِقَوْلِهِ (أَنَا أَبُو فُلَان) أَو: (الْقَاضِي فُلَان) أَو: (الشَّيْخ فُلَان) إِذَا لَمْ يَحْصُل التَّعْرِيف بِالِاسْمِ لِخَفَائِهِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَل حَدِيث أُمّ فُلَان وَمِثْله لِأَبِي قَتَادَة وَأَبِي هُرَيْرَة، وَالْأَحْسَن فِي هَذَا أَنْ يَقُول أَنَا فُلَان الْمَعْرُوف بِكَذَا. وَاللَّه أَعْلَم.

.باب تَحْرِيمِ النَّظَرِ فِي بَيْتِ غَيْرِهِ:

4013- قَوْله: «أَنَّ رَجُلًا اِطَّلَعَ فِي جُحْر فِي بَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِدْرًى يَحُكّ بِهِ رَأْسه، فَلَمَّا رَآهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْ أَعْلَم أَنَّك تَنْظُرنِي لَطَعَنْت بِهِ فِي عَيْنك وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا جَعَلَ الْإِذْن مِنْ أَجْل الْبَصَر» وَفِي رِوَايَة: «مُدَرًّى يُرَجِّل بِهِ رَأْسه».
أَمَّا الْمِدْرَى فَبِكَسْرِ الْمِيم وَإِسْكَان الدَّال الْمُهْمَلَة وَبِالْقَصْرِ، وَهِيَ حَدِيدَة يُسَوَّى بِهَا شَعْر الرَّأْس، وَقِيلَ هُوَ شِبْه الْمِشْط، وَقِيلَ: هِيَ أَعْوَاد تُحَدَّد تُجْعَل شِبْه الْمِشْط، وَقِيلَ: هُوَ عُود تُسَوِّي بِهِ الْمَرْأَة شَعْرهَا، وَجَمْعه (مَدَارَى) وَيُقَال فِي الْوَاحِد (مِدْرَاة) أَيْضًا، (وَمِدْرَايَةٌ) أَيْضًا، وَيُقَال: تَدَرَّيْت بِالْمِدْرَى.
وَأَمَّا قَوْله: (يَحُكّ بِهِ) فَلَا يُنَافِي هَذَا، فَكَانَ يَحُكّ بِهِ، وَيُرَجِّل بِهِ. وَتَرْجِيل الشَّعْر تَسْرِيحه وَمَشَّطَهُ. وَفيه اِسْتِحْبَاب التَّرْجِيل، وَجَوَاز اِسْتِعْمَال الْمِدْرَى.
قَالَ الْعُلَمَاء: فَالتَّرْجِيل مُسْتَحَبّ لِلنِّسَاءِ مُطْلَقًا، وَلِلرَّجُلِ بِشَرْطِ أَلَّا يَفْعَلهُ كُلّ يَوْم أَوْ كُلّ يَوْمَيْنِ وَنَحْو ذَلِكَ، بَلْ بِحَيْثُ يَخِفّ الْأَوَّل.
أَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ عَلِمْت أَنَّك تَنْتَظِرنِي» فَهَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَر النُّسَخ، أَوْ كَثِير مِنْهَا، وَفِي بَعْضهَا: «تَنْظُرنِي» بِحَذْفِ التَّاء الثَّانِيَة.
قَالَ الْقَاضِي: الْأَوَّل رِوَايَة الْجُمْهُور.
قَالَ: وَالصَّوَاب الثَّانِي، وَيُحْمَل الْأَوَّل عَلَيْهِ.
وَقَوْله: «فِي جُحْر» هُوَ بِضَمِّ الْجِيم وَإِسْكَان الْحَاء وَهُوَ الْخَرْق.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِذْن مِنْ أَجْل الْبَصَر» مَعْنَاهُ أَنَّ الِاسْتِئْذَان مَشْرُوع وَمَأْمُور بِهِ، وَإِنَّمَا جُعِلَ لِئَلَّا يَقَع الْبَصَر عَلَى الْحَرَام، فَلَا يَحِلّ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْظُر فِي جُحْر بَاب وَلَا غَيْره مِمَّا هُوَ مُتَعَرِّض فيه لِوُقُوعِ بَصَره عَلَى اِمْرَأَة أَجْنَبِيَّة. وَفِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز رَمْي عَيْن الْمُتَطَلِّع بِشَيْءٍ خَفِيف، فَلَوْ رَمَاهُ بِخَفِيفٍ فَفَقَأَهَا فَلَا ضَمَان إِذَا كَانَ قَدْ نَظَر فِي بَيْت لَيْسَ فيه اِمْرَأَة مَحْرَم. وَاللَّه أَعْلَم.
4014- وَقَوْله: «يُرَجِّل بِهِ رَأْسه» هَذَا يَدُلّ لِمَنْ قَالَ: إِنَّهُ مُشْط أَوْ يُشْبِه الْمُشْط.
4015- قَوْله: «فَقَامَ إِلَيْهِ بِمِشْقَصٍ أَوْ مَشَاقِص، فَكَأَنِّي أَنْظُر إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْتِلهُ لِيَطْعَنهُ».
أَمَّا (الْمَشَاقِص) فَجَمْع مِشْقَص، وَهُوَ نَصْل عَرِيض لِلسَّهْمِ، وَسَبَقَ إِيضَاحه فِي الْجَنَائِز وَفِي الْأَيْمَان.
وَأَمَّا (يَخْتِلهُ) فَبِفَتْحِ أَوَّله وَكَسْر التَّاء أَيْ يُرَاوِغهُ وَيَسْتَغْفِلهُ.
وَقَوْله: (لِيَطْعَنهُ) بِضَمِّ الْعَيْن وَفَتْحهَا، الضَّمّ أَشْهَر.
4016- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ اِطَّلَعَ فِي بَيْت قَوْم بِغَيْرِ إِذْنهمْ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنه» قَالَ الْعُلَمَاء مَحْمُول عَلَى مَا إِذَا نَظَر فِي بَيْت الرَّجُل فَرَمَاهُ بِحَصَاةِ فَفَقَأَ عَيْنه. وَهَلْ يَجُوز رَمْيه قَبْل إِنْذَاره؟ فيه وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا: أَصَحّهمَا جَوَازه لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيث وَاللَّه أَعْلَم.
4017- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَخَذَفْته بِحَصَاةِ فَفَقَأْت عَيْنه» هُوَ بِهَمْزٍ (فَقَأْت) وَأَمَّا (خَذَفْته) فَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَيْ رَمَيْته بِهَا مِنْ بَيْن أُصْبُعَيْك.